الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السبع إِلاَّ ذَكَّيْتُمْ}: .قال الفخر: قال الفخر: أصل الذكاء في اللغة إتمام الشيء، ومنه الذكاء في الفهم وهو تمامه، ومنه الذكاء في السن، وقيل: جري المذكيات غلاب، أي جري المسنات التي قد أسنت، وتأويل تمام السن النهاية في الشباب، فإذا نقص عن ذلك أو زاد فلا يقال له الذكاء في السن، ويقال ذكيت النار أي أتممت إشعالها. إذا عرفت هذا الأصل فنقول: الاستثناء المذكور في قوله: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} فيه أقوال: الأول: أنه استثناء من جميع ما تقدم من قوله: {والمنخنقة} إلى قوله: {وَمَا أَكَلَ السبع} وهو قول علي وابن عباس والحسن وقتادة، فعلى هذا أنك إن أدركت ذكاته بأن وجدت له عينًا تطرف أو ذنبًا يتحرك أو رجلًا تركض فاذبح فإنه حلال، فإنه لولا بقاء الحياة فيه لما حصلت هذه الأحوال، فلما وجدتها مع هذه الأحوال دل على أن الحياة بتمامها حاصلة فيه. والقول الثاني: أن هذا الاستثناء مختص بقوله: {وَمَا أَكَلَ السبع}. والقول الثالث: أنه استثناء منقطع كأنه قيل: لكن ما ذكيتم من غير هذا فهو حلال. والقول الرابع: أنه استثناء من التحريم لا من المحرمات، يعني حرم عليكم ما مضى إلا ما ذكيتم فإنه لكم حلال. وعلى هذا التقدير يكون الاستثناء منقطعًا أيضًا. اهـ. .قال الثعلبي: قال الشاعر: ومنه الذكاء في الفهم إذا كان تام العقل سريع القبول. ويقول في الذكاة إذا أتممت إشعالها، فمعنى ذكيتم أدركتم ذبحه على التمام. وقال ابن عباس وعتبة بن عمير: إذا طرفت بعينها أو ضربت بذَنبِها أو ركضت برجلها أو تحركت فقد حلت لك. وعن زيد بن ثابت: أن ذئبًا نيب في شاة فذبحوها بمروة فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في أكله. أبو قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «إن اللّه كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته». قال عاصم عن عكرمة: إن رجلًا أضجع شاته وجعل يحدّ شفرته ليذبحها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «تريد أن تميتها موفات قبل أن تذبحها». اهـ. .قال الألوسي: وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الاستثناء راجع إلى جميع ما تقدم ذكره من المحرمات سوى ما لا يقبل الذكاة من الميتة. والدم. والخنزير. وما أكل السبع على تقدير إبقائه على ظاهره، وقيل: هو استثناء من التحريم لا من المحرمات، والمعنى حرم عليكم سائر ما ذكر لكن ما ذكيتم مما أحله الله تعالى بالتذكية فإنه حلال لكم. وروي ذلك عن مالك. وجماعة من أهل المدينة، واختاره الجبائي، والتذكية في الشرع قطع الحلقوم والمريء بمحدد، والتفصيل في الفقه، واستدل بالآية على أن جوارح الصيد إذا أكلت مما صادته لم يحل. وقرأ الحسن: {السبع} بسكون الباء، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأكيل السبع. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب}: .قال الفخر: الثاني: أن واحده النصب، فقولنا نصب ونصب كقولنا: سقف وسقف ورهن ورهن، وهو قول ابن الأنباري. والثالث: أن واحدة النصبة. قال الليث: النصب جمع النصبة، وهي علامة تنصب للقوم، أما إن قلنا: أن النصب واحد فجمعه أنصاب، قفولنا: نصب وأنصاب كقولنا طنب وأطناب. قال الأزهري: وقد جعل الأعشى النصب واحدًا فقال: . اهـ. قال الفخر: من الناس من قال: النصب هي الأوثان، وهذا بعيد لأن هذا معطوف على قوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} وذلك هو الذبح على اسم الأثان، ومن حق المعطوف أن يكون مغايرًا للمعطوف عليه. وقال ابن جريج: النصب ليس بأصنام فإن الأصنام أحجار مصورة منقوشة، وهذه النصب أحجار كانوا ينصبونها حول الكعبة، وكانوا يذبحون عندها للأصنام، وكانوا يلطخونها بتلك الدماء ويضعون اللحوم عليها، فقال المسلمون: يا رسول الله كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم، فنحن أحق أن نعظمه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكره، فأنزل الله تعالى: {لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا} [الحج: 37]. واعلم أن {مَا} في قوله: {وَمَا ذُبِحَ} في محل الرفع لأنه عطف على قوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} إلى قوله: {وَمَا أَكَلَ السبع}. واعلم أن قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} فيه وجهان أحدهما: وما ذبح على اعتقاد تعظيم النصب، والثاني: وما ذبح للنصب، و(اللام) و(على) يتعاقبان، قال تعالى: {فسلام لَّكَ مِنْ أصحاب اليمين} [الواقعة: 91] أي فسلام عليك منهم، وقال: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي فعليها. اهـ. .قال الثعلبي: وقرأ الحسن بن صالح وطلحة بن مصرف: النصب بجزم الصّاد. وروى الحسن بن علي الجعفي عن أبي عمرو: النصب بفتح النون وسكون الصّاد. وقرأ الجحدري: بفتح النون والصّاد [جعله] إسمًا موحدًا كالجبل والجمل والجمع أنصاب كالأجمال والأجبال وكلها لغات وهو الشيء المنصوب، ومنه قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] واختلفوا في معنى النصب هاهنا. فقال مجاهد وقتادة وابن جريح: كان حول البيت ثلاثمائة وستين حجرًا وكان أهل الجاهلية يذكّون عليها يشرّحون اللّحم عليها وكانوا يعظمون هذه الحجارة ويعبدونها ويذبحون لها، وكانوا مع هذا يبدلونها إذا شاؤوا لحجارة [من قبالهم] منها، قالوا: وليست هي بأصنام إنما الصنم ما يصوّر وينقش. وقال الآخرون: هي الأصنام المنصوبة. قال الأعشى: ثم اختلفوا في معناها. فقال بعضهم: تقديره على إسم النصب. ابن زيد {وما ذبح على النصب} وما {أهلّ لغير اللّه به} هما واحدة. قطرب: معناه: ما ذبح للنصب أي لأجلها على معنى اللام وهما يتعاقبان في الكلام. قال اللّه تعالى: {فَسَلاَمٌ لَّكَ} [الواقعة: 91] أي عليك، وقال: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 6] أي فعليها. اهـ. .قال الألوسي: وحمار، وقيل: واحد الأنصاب كطنب وأطناب، واختلف فيها فقيل هي حجارة كانت حول الكعبة وكانت ثلثمائة وستين حجرًا، وكان أهل الجاهلية يذبحون عليها فعلى على أصلها، ولعل ذبحهم عليها كان علامة لكونه لغير الله تعالى؛ وقيل: هي الأصنام لأنها تنصب فتعبد من دون الله تعالى، و{على} إما بمعنى اللام، أو على أصلها بتقدير وما ذبح مسمى على الأصنام. واعترض بأنه حينئذ يكون كالتكرار لقوله سبحانه: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} والأمر في ذلك هين، والموصول معطوف على المحرمات، وقرئ {النصب} بضم النون وتسكين الصاد تخفيفًا، وقرئ بفتحتين، وبفتح فسكون اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام}: .قال الفخر: قال القفال رحمه الله: ذكر هذا في جملة المطاعم لأنه مما أبدعه أهل الجاهلية وكان موافقًا لما كانوا فعلوه في المطاعم، وذلك أن الذبح على النصب إنما كان يقع عند البيت، وكذا الاستقسام بالأزلام كانوا يوقعونه عند البيت إذا كانوا هناك. اهـ.
|